ليبيا بعد الجماهيرية ...

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

مر عام تقريبا على صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الذي غيَّر مصير ليبيا. كان الهدف الأساسي المعلن لتدخل البلدان الغربية في النزاع الليبي يتلخص بحماية المدنيين من الطاغية القذافي. وبالرغم من أن الأخير لم يكن "عسلا" بكل تأكيد، فها هي أبرز منظمات حقوق الإنسان تعترف بأن السلطة الليبية الجديدة لا تختلف عنه كثيراً. وترد من منظمة العفو الدولية أخبار عن عمليات تعذيب فظيعة بحق أنصار النظام السابق. أما منظمة "أطباء بلا حدود" فتعلن احتجاجها على ذلك، وترفض معالجة المعطوبين الذين يحالون إليها بعد التحقيق عشر مرات في اليوم. وهذا كله يجري في ظل دمار البنية التحتية القديمة، وعجز السلطة الجديدة عن تقديم بديل عن تلك البنية.

فيما يلي نص مقابلة أجرتها صحيفة "مسكوفسكي كمسموليتس" مع السفير الروسي الأسبق لدى ليبيا أليكسي بودتسيروب.

س - ما رأيكم بتصريحات المدافعين عن حقوق الإنسان التي تؤكد أن السلطة الليبية الجديدة تقوم بتعذيب المواطنين؟
أعتقد أن هذه التصريحات متطابقة مع الواقع بنسبة 100% ، فإذا أخذنا بالاعتبار كيف تصرف الثوار أثناء العمليات الحربية، وكيف عاملوا الأسرى، وكيف قتلوا بوحشية قائد الثورة الليبية معمر القذافي، لتأكد لنا أن تعذيب المواطنين الآن حقيقة واقعة.

س - وفي ضوء هذه الأخبار المريعة، هل يمكن أن يتغير موقف الغرب من السلطة الليبية الجديدة؟
لا أعتقد ذلك ، فالصراع أصلا لم يكن من أجل نشر الديمقراطية في ليبيا، ولا لتحرير شعب هذا البلد، بل للسيطرة على نفطه. ولا يزال الوضع هناك صعباً للغاية.. ثمة قمع جماعي ضد المدن التي وقف سكانها إلى جانب القذافي. وباعتراف ممثلي المجلس الوطني الانتقالي، تتواصل الاشتباكات في الجنوب. أما وسائل الإعلام الغربية فتلتزم الصمت حيال ذلك.

س - هل يعني هذا أن مصير الليبيين ، الذين دبرت عملية ليبيا من أجلهم - على حد الزعم - لم يعد يشغل بال أحد لا في أوروبا، ولا في أمريكا؟
طبعا. وهذا تماماً ما يجري الآن في سورية. إن إسقاط نظام بشار الأسد وإزاحة حزب البعث العربي الاشتراكي عن الحكم يقصد منهما إضعاف مواقع إيران في الشرق الأوسط. أما الصراع من أجل الديمقراطية في سورية فهو ورقة رابحة للدعاية وحسب. وفي هذا السياق تتغافل وسائل الإعلام عن مدى الدور الهام الذي يلعبه هناك "الإخوان المسلمون". وعلى الصعيد العسكري نجد أن تشكيلاتهم المسلحة تعادل الجيش السوري الحر. وهذا ما يؤكد أن ليبيا في هذا المجال لا تشكل استثناء.

س - بالعودة إلى موضوع ليبيا.. هل يمكننا القول إن الحكومة الجديدة أثبتت قدرة وجدارة سياسية؟
حتى الآن لم تثبت هذه الحكومة أي شيء سوى بالكلام، فقد وعدت بتنظيم انتخابات على أساس تعددي، وبصوغ دستور جديد. غير أن الوضع في البلاد ، واقعيا، هو تحت سيطرة القادة الميدانيين ، وليس تحت سيطرة المجلس الانتقالي. إن هذا المجلس حتى الآن يضع خططاً وحسب. أما مجال نفوذه فهو طرابلس و130 كم نحو الغرب حتى الحدود مع تونس، فالآن يسيطر على الوضع في الأقاليم القادة الميدانيون. ومن غير الواضح كيف سيبني المجلس الوطني الانتقالي العلاقة معهم، فإذا لم ينزع سلاحهم بالقوة سيبقى كل شيء كما هو. وإذا حاول قمعهم فسوف تبدأ حرب أهلية.

إن الوضع لا يزال هشاً، وليس من السهل ضمان استقراره. وفضلاً عن ذلك، بدأ تصدير النفط، وهنا ينبثق سؤال عمن ستؤول إليه العائدات إذا كان أنبوب النفط يمر عبر منطقة قبائل ما، على سبيل المثال؟ لقد عبرت القبائل منذ زمن بعيد عن استيائها لذهاب العائدات إلى طرابلس. ولذا نجد ليبيا الآن أشبه ببرميل بارود وقد وضع فيه الفتيل. فهل سيتسنى نزع الفتيل، أم سيشتعل حتى نهايته؟ ذلكم السؤال الذي ستحدد الإجابة عنه مستقبل البلد.

الوقت الآن ليس لصالح السلطة الجديدة. وأهم شيء ينبغي عليها القيام به، هو تسريع عملية بناء المؤسسات السياسية. لقد أعلن المجلس الوطني الانتقالي أنه سيتصرف على نحو ديمقراطي، غير أن نشاطه لا يزال بعيدا عن الشفافية. والآن، وبغية تجنب كارثة حرب أهلية جديدة، يجب تشكيل حكومة على قاعدة عريضة، وانتخاب برلمان ورئيس دون إبطاء، بينما المجلس الوطني الانتقالي حدد لهذا الغرض مواعيد بعيدة جداً كما أعتقد. إن الكثير هنا سيتوقف على عامل آخر أيضا، هو العلاقات بين القوتين الأساسيتين، أي الإسلاميين وقبيلة الورفلة التي تعد أكبر قبائل البلاد.